فصل: الفصل الخامس: حفظ الأطراف عن ضرر البرد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.الفصل الخامس: حفظ الأطراف عن ضرر البرد:

يجب أن يدلكها المسافر أولاً حتى تسخن ثم يطليها بدهن حار من الأدهان العطرة مثل دهن السوسن ودهن البان والميسوسن لطوخ جيّد لهم فإن لم يحضر فالزيت وخصوصاً إذا جعل فيه الفلفل والعاقر قرحا أو الفربيون والحلتيت أو الجندبادستر ومن الأضمدة الحافظة للأطراف أن يجعل عليها قنة وثوم فإنه أمان ولا كالقطران. ولا يجوز أن يكون الخف والدستبانج بحيث لا يتحرّك فيه العضو.
فإن حركة العضو أحد الأسباب الدافعة عنه البرد والعضو المخنوق يصيبه البرد بشدّة وإذا غشي بكاغد وشعر أو وبر كان أوقى له وإذا صارت الرجل مثلاً أو اليد لا تحس بالبرد من غير أن يخص البرد ومن غير أن يزيد وقايته بتدبير جديد فاعلم أن الحس في طريق البطلان وأن البرد قد عمل فيه فليدبر مما تعلمه الان.
وأما إذا عمل البرد في العضو فأمات الحار الغريزي الذي كان فيه وحقن ما كان يتحلل منه في جوهره وعرضه للعفونة فربما احتيج أن يفعل في بابه ما قيل في باب القروح وخصوصاً الأكَالة الخبيثة.
وأما إذا ضربه البرد ولم يعفن بعد بل هو في سبيله فالأصوب أن يوضع الطرف في ماء الثلج خاصة أو ماء طبخ فيه التين.
وماء الكرنب ومأء الرياحين وماء الشبت وماء البابونج كله جيّد.
والتردوغ لطوخ جيّد.
وماء الشيح وماء الفودنج وماء النمام والتضميد بالسلجم دواء جيد نافع له.
ويجب أن يجنب النار وقربها ويجب في الحال أن يمشي ويحرك الرجل والطرف فيروضه ويدلكه ثم يمرخه ويطليه وينطله بما قلناه.
وليعلم أن ترك الأطراف متعلقة ساكنة في البرد لا تحرك ولا تراض هو من أقوى الأسباب الممكنة للبرد من الطرف.
ومن الناس من يغمسه في ماء بارد فيجد لذلك منفعة كأن الأذى يندفع عنه كما يعرض للفاكهة الجامدة أن تلقى في الماء البارد.
فيكون كأنه يخرج الجمد عنها وينتسج عليها فتلين وتستوى ولو أنها قربت من النار فسدت.
وأما كيف هذا فهو مما لا يحتاج إليه الطبيب.
فأما إذا أخذ الطرف يكمد فيجب أن يشرط ويسيل منه الدم والعضو موضوع في الماء الحار لئلا يجمد شيء من الدم في فوهات الشرط فلا يخرج بل يترك حتى يحتبس من نفسه ثم يطلى بالطين الأرمني والخل الممزوج فإن ذلك يمنع فساده.
والقطران ينفع بدءاً وأخيراً وإذا جاوز الأمر السواد والخضرة وأدرك وهو يتعفن فلا يشتغل بغير إسقاط ما يعفن بعجلة لئلا يعفن أيضاً الصحيح الذي في الجوار وكيلا تدب العفونة بل يفعل ما قلناه في بابه.

.الفصل السادس: حفظ اللون في السفر:

يجب أن يطلى الوجه بالأشياء اللزجة والتي فيها تغرية مثل لعاب بزر قطونا ومثل لعاب العرفج ومثل الكثيراء المحلول في الماء والصمغ المحلول في الماء ومثل بياض البيض ومثل الكعك السميذ المنقوع في الماء وقرص وصفة قريطن وأما إذا شققه ريح أو برد أو شمس فاطلب تدبيره من الكلام في الزينة.

.الفصل السابع: توقي المسافر مضرة المياه المختلفة:

إن اختلاف المياه قد يوقع المسافر في أمراض أكثر من اختلاف الأغذية فيجب أن يراعى ذلك بتدارك أمر الماء.
ومن تداركه كثرة ترويقه وكثرة استرشاحه من الخزف الرشاح وطبخه كما قد بينا العلة فيه قد يصفيه ويفرّق بين جوهر الماء الصرف وبين ما يخالطه وأبلغ من ذلك كله تقطيره بالتصعيد وربما فتلت فتيلة من صوف وجعل منها في أحد الإناءين وهو المملوء طرف وترك طرفها الآخر في الإناء الخالي فقطر الماء الخاليّ وكان ضرباً جيداً من الترويق وخصوصاً إذا كرر وكذلك إذا طبخ الماء المر والرديء وطرح فيه وهو يغلي طين حر وكباب صوف ثم تؤخذ وتعصر فإنها تعصر عن ماء خير من الأوَّل وكذلك محض الماء وقد جعل فيه طين حر لا كيفية رديئة له وخصوصاً المحترق في الشمس ثم يصقيه وهو مما يكسر فساده.
وشرب الماء مع الشراب أيضاً مما يدفع فساده إذا كان فساده من جنس قلة النفوذ وأيضاً فإن الماء إذا قل ولم يوجد فيجب أن يشرب ممزوجاً بالخل وخصوصاً في الصيف فإن ذلك يغني عن الاستكثار.
والماء المالح يجب أن يشرب بالخل أو السكنجبين ويجب أن يلقي فيه الخرنوب وحب الآس والزعرور.
والماء الشبي العفص يجب أن يشرب عليه كل ما يلين الطبيعة.
والشراب أيضاً مما ينفع شربه عليه والماء المر يستعمل عليه الدسومات والحلاوات ويمزج بالجلاب.
وشرب ماء الحمص قبله وقبل ما يشبهه مما يدفع ضرره وكذلك أكل الحمص والماء القائم الآجامي الذدي يصحبه عفونة فيجب أن لا يطعم فيه الأغذية الحارة وأن يستعمل القوابض من الفواكه الباردة والبقول مثل السفرجل والتفاح والريباس.
والمياه الغليظة الكدرة يتناول عليها الثوم ومما يصفيها الشب اليماني ومما يدفع فساد المياه المختلفة البصل فإنه ترياق لذلك وخصوصاً البصل بالخل والثوم أيضاً.
ومن الأشياء الباردة الخس ومن التدبير الجيد لمن ينتقل في المياه المختلفة أن يستصحب من ماء بلده فيمزج به الماء الذي يليه ويأخذ من ماء كل منزل للمنزل الذي يليه فيمزجه بمائه وكذلك يفعل حتى يبلغ مقصده.
وكذلك إن استصحب طين بلده وخلطه بكل ما يطرأ عليه وخضخضه فيه ثم تركه حتى يصفو.
ويجب أن يشرب الماء من وراء فدام لئلاّ يجرع العلق بالغلط ولا يزدرد البشم من الأخلاط الرديئة.
واستصحاب الربوب الحامضة لتمج بكل ماء من المختلفة تدبير جيّد.

.الفصل الثامن: تدبير راكب البحر:

قد يعرض لراكب البحر أن يدور ويدار به وأن يهيج به الغثيان والقيء وذلك في أوائل الأيام ثم يهدأ فيسكن ويجب أن يلح على غثيانه وقيئه بالحبس بل يترك حتى يقيء فإن أفرط فيه حبس حينئذ. وأما الاستعداد لئلا يعرض له القيء فليس به بأس وذلك بأن يتناول من الفواكه مثل السفرجل والتفاح والرمّان وإذا شرب بزر الكرفسر منع الغثيان أن يهيج به وسكنه إذا هاج.
والأفستين أيضاً كذلك ومما يمنعه أن يغتذي بالحموضات المقوية لفم المعدة المانعة من ارتفاع البخار إلى الرأس وذلك كالعدس بالخل وبالحصرم وقليل فودنج أو حاشا أو الخبز المبرد في شراب ريحاني أو ماء بارد وقد يقع فيه حاشا ويجب أن يمسح داخل الأنفس بالاسفيداج.

.الفن الرابع: وجوه المعالجات بحسب الأمراض الكلية:

ويشتمل على ثلاثين فصلاً.

.الفصل الأول: كلام كلي في العلاج:

نقول: إن أمر العلاج يتم من أشياء ثلاثة: أحدها التدبير والتغذية والآخر استعمال الأدوية والثالث استعمال أعمال اليد.
ونعني بالتدبير: التصرف في الأسباب الضرورية المعدودة التي هي جارية في العادة والغذاء من جملتها.
وأحكام التدبير من جهة كيفيتها مناسبة لأحكام الأدوية لكن للغذاء من جملتها أحكام تخصه في باب الكمية لأن الغذاء قد يمنع وقد يقلل وقد يعدل وقد يزاد فيه.
وإنما يمنع الغذاء عند إرادة الطبيب شغل الطبيعة بنضج الأخلاط وأنما يقلل إذا كان مع ذلك له غرض حفظ القوة فيما يغذو ويراعي جنبة القوة وبما ينقص يراعي جنبة المادة لئلا تشتغل عنها الطبيعة بهضم الغذاء الكثير ويراعي دائماً أهمهما وهو القوة إن كانت ضعيفة جداً والمرض إن كان قوياً جداً والغاء يقلل من جهتين: إحداهما من جهة الكمية والآخرى من جهة الكيفية ولك أن تجعل اجتماع الجهتين قسماً ثالثاً.
والفرق بين جهتي الكمية والكيفة أنه قد يكون غذاء كثير الكمية قليل التغذية مثل البقول والفواكه فإن المستكثر منهما مستكثر من كمية الغذاء دون كيفيته وقد يكون غذاء قليل الكمية كثير التغذية مثل البيض ومثل خصي الديوك ونحن ربما احتجنا إلى أن نقلل الكيفية ونكثر الكمية وذلك إذا كانت الشهوة غالبة وكان في العروق أخلاط نيئة فأردنا أن نسكن الشهوة بملء المعدة وأن نمنع العروق مادة كثيرة لينضج أولاً ما فيها ولأغراض أخرى غير ذلك.
وربما احتجنا أن نكثر الكيفية ونقلل الكمية وذلك إذا أردنا أن نقوي القوة وكانت الطبيعة الموكلة بالمعدة تضعف عن أن تزاول هضم شيء كثير.
وأكثر ما يتكلّف تقليل الغذاء ومنعه إذا كنا نعالج الأمراض الحادة.
وأما في الأمراض المزمنة فإنا قد نقلل أيضاً ولكن ثقيلاً أقل من تقليلنا مما في الأمراض الحادة لأن عنايتنا بالقوة في الأمراض المزمنة أكثر لأنا نعلم أن بحرانها بعيد ومنتهاها بعيد فإذا لم تحفظ القوة لم تف بالثبات إلى وقت البحران ولم تف بنضج ما تطول مدة إنضاجه.
وأما الأمراض الحادة فإن بحرانها قريب ونرجو أن لا يخون القوة قبل انتهائها فإن خفنا ذلك نبالغ في تقليل الغذاء وكلما كان المرض فيها أقرب من المبتدأ والأعراض أمكن غذاؤنا مقوين للقوة وكلما جعل المرض يأخذ في التزايد وتأخذ الأعراض في التزايد قللنا التغذية ثقة بما أسلفنا وتخفيفاً عن القوة وقت جهاده وعند المنتهى نلطف التدبير جداً.
وكلما كان المرض أحد والبحران أقرب لطفنا التدبير أشد إلا أن تعرض أسباب تمنعنا من ذلك كما سنذكره في الكتب الجزئية.
وللغذاء من جهة ما يغذى به فصلان آخران هما: سرعة النفوذ كحال الخمر وبطء النفوذ كحال الشواء والقلايا وأيضاً نحو قوام ما يتولد منه من الدم واستمساكه كما يكون من حال غذاء لحم الخنازير والعجاجيل أو رقته وسرعة تحلله كما يكون من حال الغذاء الكائن من الشراب ومن التين.
ونحن نحتاج إلى الغذاء السريع النفوذ إذا أردنا أن نتدارك سقوط القوة الحيوانية وننعشها ولم تكن المدة أو القوة تفي ريث هضم الغذاء البطيء الهضم.
ونحن نتوقى الغذاء السريع الهضم إذا اتفق أن سبق غذاء بطيء الهضم فنخاف أن يختلط به فيصيرعلى النحو الذ سبق منا بيانه.
ونحن نتوقّى الغليظ عند إيقاننا حدوث السدد لكننا نؤثرالغذاء القوي التغذية البطيء الهضم لمن أردنا أن نقويه ونهيئه للرياضات القوية ونؤثر الغذاء السخيف لمن يعرض له تكاثف المسام سريعاً.
وأما المعالجة بالدواء فلها ثلاثة قوانين: أحدها: قانون اختيار كيفيته أي اختباره حاراً أو بارداً أو رطباً أو يابساً.
والثاني: قانون اختيار كميته وهذا القانون ينقسم إلى قانون تقدير وزنه وإلى قانون تقدير كيفيته أي درجة حرارته وبرودته وغير ذلك.
والثالث: قانون ترتيب وقته.
أما قانون اختيار كيفية الدواء على الإطلاق فإنما يهتدي إليه بالوقوف على نوع المرض فإنه إذا عرف كيفية المرض وجب أن يختار من الدواء ما يضاده في كيفيته فإن المرض يعالج بالضدّ والصحة تحفظ بالمشاكل.
وأما تقدير كميته من الوجهين جميعاً فيعرف على سبيل الحدس الصناعي من طبيعة العضو ومن مقدار المرض ومن الأشياء التي تدل بموافقتها وملايمتها التي هي الجنس والسن والعادة والفصل والبلد والصناعة والقوة والسحنة.
ومعرفة طبيعة العضو تتضمن معرفة أمور أربعة:
أحدها: مزاج ا لعضو والثاني: خلقته والثا لث: وضعه والرا بع: قوته.
أما مزاج العضو: فإنه إذا عرف مزاجه الطبيعي وعرف مزاجه المرضي عرف بالحدس الصناعي أنه كم بعد من مزاجه الطبيعي فيعرف مقدار ما يرده إليه مثاله إن كان المزاج الصحي بارداً والمرض حاراً فقد بعد من مزاجه بعداً كثيراً فيحتاج إلى تبريد كثير.
وإن كان كلاهما حارين كفى الخطب فيه بتبريد يسير.
وأما من خلقة العضو: فقد قلنا أن الخلقة على كم معنى تشتمل فليتأمل من هناك.
ثم اعلم أن من الأعضاء ما هو في خلقته سهل المنافذ وفي داخله أو خارجه موضع حال فيندفع عنه الفضل بدواء لطيف معتدل ومنه ما ليس كذلك فيحتاج إلى دواء قوي وكذلك بعضها متخلخل وبعضها متكاثف.
والمتخلخل يكفيه الدواء اللطيف والكثيف يحتاج إلى الدواء القوي فأكثر الأعضاء حاجة إلى الدواء القوي ما ليس له تجويف ولا من أحد الجانبين ولا فضاء له ثم الذي له ذلك من جانب واحد ثم الذي له فضاء من الجانبين لكنه ملزز كثيف كالكلية ثم الذي له تجويف من الجانبين وهو سخيف كالرئة.
وأما من وضع العضو والوضع يقتضي كما تعلم إما موضعاً وإما مشاركة والانتفاع به من علم المشاركة أخصه باختيارك جهة جذب الدواء وإمالته إليه مثاله إنه إذا كانت المادة في حدبة الكبد استفرغناها بالبول وإن كانت في تقعير الكبد استفرغناها بالإسهال لأن حدبة الكبد مشاركة لأعضاء البول أحدها: بعده وقربه فإن كان قريباً مثل المعدة وصلت إليه الأدوية المعتدلة في أدنى زمان وفعلت فيه وقوتها باقية وان كان بعيداً كالرئة فإن الأدوية المعتدلة نفسها قواها قبل الوصول إليه فيحتاج أن يزاد في قواها.
فالعضو القريب الذي يلقاه الدواء يجب أن يكون قوة الدواء له بالقدر المقابل للعلة وإن كان بينهما بعد وبون وهو داء يحتاج لدواء في أن ينفذ إليه إلى قوة غائصة فيحتاج أن تكون قوة الدواء أكثر من المحتاج إليه مثل الحال في أضمدة عرق النسى وغيره.
والوجه الثاني أن يعرف ما الذي ينبغي أن يخلط بالأدوية ليسرع إيصالها إلى العضو كما يخلط بأدوية أعضاء البول المدرات وبأدوية القلب الزعفران.
والوجه الثالث أن يعرف جهة اتصال الدواء إليه مثلاً أنا إذا عرفنا أنَ القرحة في الأمعاء السفلى أوصلناه بالحقنة أو حدسنا بأنها في الأمعاء العليا أوصلناه بالشراب.
وقد ينتفع بمراعاة الموضع والمشاركة معاً وذلك فيما ينبغي أن يفعله والمادة منصبة بتمامها إلى العضو وما ينبغي أن يفعله والمادة بعد في الانصباب حتى إن كانت في الانصباب بعد جذبناها من موضعها بعد مراعاة شرائط أربع: إحداها: مخالفة الجهة كما يجذب من اليمين إلى اليسار ومن فوق إلى أسفل.
والثانية: مراعاة المشاركة كما يحبس الطمث يوضع المحاجم على الثديين جذباً إلى الشريك.
والثالثة: مراعاة المحاذاة كما يفصد في علل الكبد الباسليق الأيمن وفي علل الطحال الباسليق الأيسر.
والرابعة: مراعاة التبعيد في ذلك لئلا يكون المجذوب إليه قريباً جداً من المجذوب منه وأما إن كانت المادة منصبّة فينتفع بالأمرين من جهة أنا إما أن نأخذها من العضو نفسه أو ننقلها إلى العضو القريب المشارك ونخرجها منه كما يفصد الصافن في علل الرحم والعرق الذي تحت اللسان في علاج ورم اللوزتين.
ومتى أردت أن تجذب إلى الخلاف فسكن أولاً وجع العضو المجذوب عنه وأن تنظر حتى لا يكون المجاز على رئيس.
وأما الانتفاع من جهة قوة العضو فمن طرق ثلاثة: إحداها: مراعاة الرياسة والمبدئية فإنا لا نخاطر على الأعضاء الرئيسة بالأدوية القوية ما أمكن فيكون قد عممنا البدن بالضرر ولذلك لا نستفرغ من الدماغ والكبد ما يحتاج أن نستفرغه منهما دفعة واحدة ولا نبرّدهما تبريداً شديد البتة وإذا ضمدنا الكبد بأدوية محللة لم نخلها من قابضة طيبة الريح لحفظ القوة وكذلك فيما نسقيه لأجلها.
وأولى الأعضاء بهذه المراعاة القلب ثم الدماغ ثم الكبد.
والطريق الثانية: مراعاة الفعل المشترك للعضو وأن لم يكن رئيساً مثل المعدة والرئة ولذلك لا نسقي في الحميّات مع ضعف المعدة ماء بارداً شديد البرودة.
واعلم أن استعمال المرخيّات على الرئيسة وما يتلوها صرفة خطر جداً في الجملة.
والطريق الثالث: مراعاة ذكاء الحسّ وكلاله فإن الأعضاء الذكية الحس العصبية يجب أن يتوقّى فيها استعمال الأدوية الردية الكيفية واللذاعة والمؤذية كاليتّوعات وغيرها عليها.
والأدوية التي يتحاشى عن استعمالها ثلاثة أصناف: المحلّلات والمبرّدات بالقوة والتي لها كيفيات مخالفة كالزنجار وأسفيذاج الرصاص والنحاس المحرق وما أشبهها.
فهذا هو تفصيل اختبار المواء بحسب طبيعة العضو.
وأما مقدار المرض فإن الذي يكون مثلاً حرارته العرضية شديدة فيحتاج أن تطفأ بدواء أشد برودة والذي يكون برودته العرضية شديدة فيحتاج إلى أن يسخنه أشد تسخيناً وإذا لم يكونا قويين اكتفينا بدواء أقل قوة.
وأما وقت المرض فإن نعرف المرض في أي وقت من أوقاته مثلاً الورم إن كان في الابتداء استعملنا عليه ما يردع وحده وإن كان في المنتهى استعملنا ما يحلل وحده وأما فيما بين ذينك فتخلطهما جميعاً.
وإن كان المرض حاداً في الابتداء لطفنا التدبير تلطيفاً معتدلاً وإن كان إلى المنتهى بالغنا في التلطيف وأن كان مزمناً لم نلطف في الإبتداء ذلك التلطيف عند الانتهاء.
على أن كثيراً من الأمراض المزمنة غير الحميات يحللها التدبير الملطف.
وأيضاً إن كان المريض كثير المادة هائجاً استفرغنا في الابتداء ولم ننتظر النضج وإن كان معتدلاً أنضجنا ثم استفرغنا.
وأما الاستدلال من الأشياء التي تدل بملاءمتها فهو سهل عليك تعرفه والهواء من جملتها أولى ما يجب أن يراعى أمره وهل هو معين للدواء أو للمرض.
ونقول: الأمراض التي يكون فيها خطر ولا يؤمن فوت القوة مع تأخر الواجب أو التخفيف فيه فالواجب أن يبدأ فيها بالعلاج القوي أولاً والتي لا خطر فيها يتدرّج إلى الأقوى إن لم يغن الأخف.
وإياك أن تهرب عن الصواب لأن تأثيره يتأخر وأن تقيم على الغلط لأن ضرره لا يتدبر ومع ذلك فليس يجب أن تقيم على علاج واحد بدواء واحد بل تبدل الأدوية فإن المألوف لا ينفعل عنه ولكل بدن بل بكل عضو بل للبدن والعضو في وقت دون وقت خاصة في الانفعال عن دواء دون دواء.
وإذا أشكلت العلة فخل بينها وبين الطبيعة ولا تستعجل فإن الطبيعة إما أن تقهر العلة وإما أن تظهر العلة.
وإذا اجتمع مرض مع وجع أو شبيه وجع أو موجب وجع كالضربة والسقطة فابدأ بتسكين الوجع وإن احتجت إلى التخدير فلا تجاوز مثل الخشخاش فإنه مع تخديره مألوف مأكول.
وإذا بليت بشدة حس العضو فاغذ بما يغلظ الدم جداً كالهرائس وإن لم تخف التدبير فاغذ بالمبردات كالخس ونحوه.
واعلم أن من المعالجات الجيدة الناجعة الاستعانة بما يقوي القوى النفسانية والحيوانية كالفرح ولقاء ما يستأنس به وملازمة من يسر به وربما نفعت ملازمة المحتشمين ومن يستحيا منهم فمنعت المريض عن أشياء تضره.
ومما يقارب هذا الصنف من المعالجات والانتقال من بلد إلى بلد ومن هواء إلى هواء والانتقال من هيئات إلى هيئات وتكلف هيئات وحركات يستوي بها عضو ويصير بمزاج مثل ما يكلف الصبي الأحول من النظر الشديد إلى شيء يلوح له ومثل ما يكلف صاحب القوة من النظر في المرآة الضيقة فإن ذلك أدعى له إلى تكليف تسوية وجهه وعينيه فربما عاد بالتكلف إلى الصلاح.
ومما يجب أن تخفظه من القوانين أن تترك المعالجات القوية في الفضول القوية ما استطعت من مثل الإسهال القوي والكي والبط والقيء في الصيف والشتاء.
ومن الأمور التي تحتاج في علاجها إلى نظر دقيق أن يجتمع في مرض واحد استحقاقان متضادان ويستحق المرض مثلاً تبريداً وسببه تسخيناً مثل ما تقضي الحمى تبريداً والسدد التي يكون سبباً للحمى تسخيناً أو بالعكس وكذلك أن يستحقّ المرض مثلاً تسخيناً وعرضه تبريداً مثل ما تستحق مادة القولنج تسخيناً وتقطيعاً وتستحق شدّة وجعه تبريداً وتخديراً أو بالعكس.
واعلم أنه ليس كل امتلاء وكل سوء مزاج يعالج بالضد من الاستفراغ والمقابلة بل كثيراً ما يكفي حسن التدبير المهم في الامتلاء وسوء المزاج.